الغرر: معناه وأشكاله

تحريم الغرر من أهم أسس التمويل الإسلامي. وعليه تستند العديد من قواعد المالية الإسلامية. تشرح هذه المقالة معنى الغرر وتسلط الضوء على أكثر أشكاله شيوعًا مع الأمثلة.

 

طارق الغمراوي

تحريم الغرر من أهم أسس التمويل الإسلامي، والتي ينبثق منها العديد من القواعد والأطر في المعاملات والمنتجات المالية الإسلامية.
الغَرَر فى اللغة يعنى الخطر، والمراد به شرعا أن يكون هناك جزء مجهول فى عقد معاوضة يحتمل معه وقوع نزاع بين
الطرفين أو ضياع حق أحدهما أو إلحاق الضرر به. ومعنى عقد المعاوضة أي عقد يبذل فيه
الإنسان شيئا ليحصل على شيء في مقابله، مثل عقد البيع وعقد الإجارة.
وقد انعقد الإجماع على تحريم الغرر في الجملة مع خلاف في بعض تفصيلاته. ويدل على تحريمه حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: “نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحَصاة وعن بيع الغرر”. ومعنى بيع الحصاة أن يرمي حصاة على مجموعة من السلع ويقول بعت لك ما تقع عليه الحصاة، وكانت صورة من البيع مشهورة عند العرب، وهي من صور الغرر، لجهل المشتري بالسلعة التي يشتريها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن العقد في الشريعة يمكن أن يبرم باتفاق شفهي، وليس التوثيق شرطا في حد ذاته.

“مثال كبير على عقود الغرر في الوقت الحاضر هو عقد التأمين التقليدي”.

يمكن أن يتخذ الغرر عدة أشكال.
أحد الأشكال هو بيع سلعة لم يرها المشتري ولا عرف أوصافها معرفةً تنفي الجهالة، أي ترفع جهالته بالسلعة، كأن يقول شخص لآخر تشتري مني بيتي الفلاني؟ -والمشتري لم ير هذا البيت ولم يعرف أوصافه- فيقبل ويبرم العقد هكذا، أو أن يطلب سلعة بالهاتف ولم يرها ولم يعرف أوصافها، أو أن يبرم عقد عمل بدون معرفة العمل المطلوب بدقة، فكل هذه عقود محرمة وباطلة للجهل بالسلعة أو بالمنفعة محل العقد.
وقريب من ذلك بيع سلعة مبهمة بين سلع معينة، كأن يقول بعت لك بقرة من هذا القطيع ولا يعينها، أو شجرة من هذا البستان ولا يعينها، وكبيع الحصاة المذكور سابقا.

شكل آخر من أشكال الغرر هو الجهل بالثمن وقت إبرام العقد ، مثل إتمام شراء سلعة عبر الهاتف مع معرفة السعر فقط عند استلامها، أي بعد إبرام العقد ، أو شراء شقة بالتقسيط بينما يحتمل أن يرتفع سعرها خلال فترة التسليم ، لذلك يتجاهل المشتري هنا السعر النهائي ، أو يبرم عقد عمل دون معرفة الأجر ، أو للحصول على خدمة من شخص مثل إصلاح جهاز أو خياطة ثوب دون معرفة الثمن مسبقا. كل هذه العقود محرمة وباطلة بسبب الغرر المتمثل في الجهل بالثمن.
شكل ثالث للغرر هو بيع شيء غير موجود بعد. وهو غرر لأننا لا نعرف هل سيكون هناك أم لا. ومن الأمثلة على ذلك شكل منتشر في الريف ، وهو بيع الحمل في بطن ماشية قبل ولادتها. جاء في الحديث في الصحيحين: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة” ، ومعنى حبل الحبلة أي الحمل الذي في بطون الأمهات االحوامل من الحيوانات، فهذا غرر لعدم الوثوق بخروجه حيا، وإذا خرج حيا هل يخرج سليما أو مريضا، ذكرا أم أنثى.. إلخ؟ ومن بيع المعدوم أيضا صورة شائعة في مجال العقارات وهي بيع الشقق قبل بنائها، فقد يحول أي حائل دون إتمام البناء، ولكن لبديل عن هذا البيع عقد الاستصناع كما سيوضح في مقال آخر إن شاء الله. مثال آخر على بيع سلعة غير موجودة هو ما يفعله المزارعون من حيث بيع ثمار مزرعة معينة لعدة سنوات قادمة. هذا غرر لأن هذه الفاكهة غير موجودة الآن ، لذا لا يمكن إبرام العقد على شيء لسنا متأكدين منه. بل الشريعة تحرم بيع الثمار على الأشجار قبل أن تنضج ، لأنه في ذلك الوقت قد تصيبها آفة أو مرض ، ويكون المشتري قد دفع ماله بلا مقابل. فهاتان الصورتان مثالان للغرر الممنوع.

وشكل رابع للغرر هو بيع ما لا يمكن تسليمه ، كأن يبيع شخص سيارته المسروقة منه ، على أمل أن يجدها ، أو هاتفه المفقود. ومن صور الغرر أيضا الجهل بأجل العقد ، أي أن يجهل المشتري متى سيأخذ السلعة ، أو يجهل البائع متى سييحصل على الثمن. كل هذا غرر لأن الأجل مجهول.

مثال كبير على عقود الغرر في الوقت الحاضر هو عقد التأمين التقليدي، لأن المؤمّن عليه يدفع أقساطا حتى إذا حدثت له خسائر أخذ في مقابل الأقساط ما يعوض خسائره، لكنه لا يعلم مقدار ما سيدفعه لأنه يتوقف على وقت حدوث الخسائر، ولا مقدار ما سيأخذه بالتحديد لأنه يتوقف على حجم الخسائر، وإذا لم تحدث خسائر فلن يأخذ شيئا. وقد اتفقت المجامع الفقهية على حرمة هذا العقد. ولعقد التأمين بديل شرعي هو عقد التكافل، وهو عقد قائم على المساعدة المتبادَلة والتبرع، وهذا لا يضره وجود الغرر، لأن الغرر المنهي عنه إنما هو في عقود المعاوضة كما مر، والتي يطلب فيها كل من الطرفين مقابلا لما يعطيه، بخلاف عقود التبرع المبنية على التنازل.
كذلك من أمثلة الغرر في معاملات البورصة الخيارات حيث يدفع الشخص مبلغا معينا ويكون له الخيار في شراء أسهم معينة بسعر ثابت طول مدة الخيار، فإذا ارتفع سعر السهم في المدة عن السعر المتفق عليه فسيشتريه ليبيعه فيربح الفرق، وإذا انخفض فلن يشتريه لأنه سيكون إذن مشتريا بالسعر المرتفع بائعا بالسعر المنخفض. وفي خيار البيع عكس ذلك كله. وهذا من الغرر لأن الشخص يدفع المبلغ على أمل الحصول على عوضٍ مقابله ولا يدري أيحصل على ذلك العوض أم يخسر ماله.